رحلتي إلى اليهوديّة
البيوت الصغيرة، المراعي مع الأبقار، سدود الأنهار، وطواحين الهواء
المذهب الكالفيني نشأت وترعرعت في منطقة كانت الكالفينية هي الاتجاه السائد فيها. وكان المذهب الكلفيني يفرض نفسه هناك ومن الطبيعي أن تسلك عائلتي في اتجاه المذهب الكلفيني أيضًا، و بطريقة معتدلة، في تلاوة الصلاة قبل تناول وجبات الطعام، وقراءة جزء من الكتاب المقدس قبل ان تتلى صلاة الشكر
اتسمت أيام الأحاد بارتداء الملابس غير المريحة والذهاب إلى الكنيسة ومدرسة الأحد وزيارة الأسرة والأقارب. خارج منزلنا، تعرضت لأشكال أكثر صرامة من قبل أتباع المذهب الكالفيني. إذ لم يُسمح لبعض الأطفال الذين أعرفهم باللعب في الشارع أيام الأحاد. لا يُسمح بقيادة السيارات أو ركوب الدرجات الهوائية لأعضاء الطوائف المسيحية الذين اتسموا بالصرامة والتشدد الديني. لم يكن صعب التعرف على هؤلاء المتشددين، وذلك من خلال نمط اللباس الخاصة بهم: لم يُسمح للنساء بقص شعرهن (وغالبًا ما كن يرتدين شعرهن على شكل كعكة أو بصلة)، وكانوا يغطون رؤوسهم عند الذهاب إلى الكنيسة، ولا يرتدين السراويل تشبها بالرجال على الإطلاق. كان بعض الكالفينيين المتشددين يرتدون الملابس السوداء فقط وعلى مدار الأسبوع. ومن خلال ارتدائهم الملابس السوداء، كانوا يعبرون عن عمق إدراكهم الكامل للخطيئة العميقة والكاملة تُعلّم الكالفينية أن على المرء أن يتوب من أجل نيل الخلاص من سلطة الخطية، لكن لا يأتي هذا من قوة الإنسان ذاته، فالإنسان عاجز عن فعل أي شئ من أجل خلاص نفسه. لا يمكن للمرء أن يتوب من نفسه بل يجب أن يتوب بقوة قادر وهو الله. يؤمن الكالفينيون تقليديا بالقدر خيره وشره. وهكذا، حتى قبل خلق العالم، الله وحده يقرر مصير الإنسان، التوبة والخلاص هما بيد الله، هو يعلم مسبقا من سيَخلص ومن سيُدان. ليس هناك ما يمكن فعله لتغيير هذا القرار في وقت مبكر جدًا، سمعت من الجيران، ومن معلمة في روض الأطفال، وبعد ذلك في المدرسة الابتدائية عن شر الناس وعقاب الجحيم لهم. أتذكر المحادثات التي أجريتها مرة مع جدتي، وهي امرأة تقية جدًا، عندما خبرتني أنه يوجد مكان حقيقي في الجنة ربما كان أكثر مما نتوقعه أو نتصوره- إذا كان بإمكانها فقط الوقوف بجانب المدخل والنظر إلى داخل الجنّة
لو أنّها فقط يمكن أن تقف عند الباب لتنظر في الداخل
من المثير للاهتمام، أنه بسبب القراءة المستمرة للقصص التوراتية وروايتها ومواعظها وتكرارها، وخاصة قصص التوراة والأنبياء، يشعر الكالفينيون غالبًا بعلاقة قوية مع شعب إسرائيل القديم
عندما كنت طفلاً صغيرًا كنت أشعر دائمًا بأنني قريب جدًا من الله. أحببت القصص عن سيدنا إبراهيم ويسيدنا عقوب ووسيدنا داود وسيدنا دانيال. كان هؤلاء هم أبطالي الحقيقيين، وكان إله إسرائيل إلهي. بالرغم من أنني قد فتنت بمفهوم الجحيم وأعجبت بإخلاص وتقوى بعض أولئك الأشخاص الذين تعرفت عليهم، وأنا لا أعتقد أنني سوف يكون مصيري الأبدي في جهنّم المسيحية الإنجيلية عندما كنت مراهقًا فقدتُ اتّصالي الروحي إلى حدٍّ ما. توقفت عائلتي عن الإبتهال أو الذهاب إلى الكنيسة وشعرتُ أنّ هناك شيئًا ما مفقودًا في حياتي٠
عندما كان عمري حوالي خمسة عشر عامًا اكتشفتُ الحركة الإنجيلية. إنّ الإنجيليون هم أيضًا بروتستانت يقبلون الكتاب المقدس باعتباره كلمة الله والمصدر المطلق والمعصوم للإرشاد الإلهي ومع ذلك يختلف تعاليمهم عن الكالفينية في عدد من الجوانب. أخبرني الإنجيليون أنّني إذا أسلمتُ نفسي لله وإذا قبلت بصدقٍ فداءه من خلال موت يسوع فـغفر كلّ خطاياي وأصبحتُ طفلَهُ. سمحت لي هذه الرسالة باستعادة اتّصالي الروحي. لقد غمُرني الشعور بأنّ الله استقبلني وأحبّـني، أنّني كنتُ له وأنّه كان لي. قيل لي أن هذا الشعور كان نتيجة لقاء حقيقي مع الله وهذا هو ما يسمّيه الإنجيل ولادة ثانية٠
--- لقد غمُرني الشعور بأنّ الله استقبلني ---
قدّمت لي الحركة الإنجيلية وسيلة لتفعيل طاقتي الروحية وتوجيهها وجعلني أشعر بأنني كنتُ جزءًا من مجتمع عالمي مختار وخاص. في الاجتماعات الإنجيلية كان هناك اعتقاد قوّي بأن الله كان حاضرًا حقًا تماما مثلما كان في عصور الكتاب المقدّس. غنّى الناس في تمجيد ورفعوا أيديهم ويتكلّموا باللغات الملائكية وتنبّؤوا وواجهوا التنوير الباطني. كانت هذه المواجهات النشوى محسوسة كدليل دائم على أن كان كلّه حقيقيًا وصحيحًا. في الحركة الإنجيلية كان هناك اعتقاد قوّي بأنّ الله سيفعل معجزات مُذهِلة للمؤمنين بما في ذلك عجائب الشفاء. على الرغم من أن كان لديّ كثير من الأسباب للشك في تلك المعجزات الظاهرة، لم أعرف طريقة أفضل للحفاظ على علاقتي مع الله٠
كان هناك اعتقاد قوّي بأنّ الله سيفعل معجزات مُذهِلة للمؤمنين
من الناحية العملية، أصبح الاستسلام لله مشكلة متزايدة لأنّ رسالة الإنجيليين كانت أسهل مما ينبغي. كلّ ما كان يحتاج إليه الإنسان للوصول إلى الخلاص هو الإيمان. طيّب! انا آمن! ولكن ماذا بعد؟ إذا كنتُ أرغب في تكريس حياتي لله فكيف يمكنني خدمته؟ المشكلة كانت أنّ المسيحية تشدد على الإيمان وحده باستبعاد الوصايا٠
في اليهودية من الأسهل العثور على التوجيه. إذا كنتَ تريد أن تكون في خدمة الله فلا شكّ في ما يمكنك القيام به. هناك العديد من التعليمات التي تنتظر ممارستها: الاحتفال يوم السبت وأحكام الأغذية والأعياد المذكورة في التوراة وأحكام نقاء الأسرة ودراسة التوراة وإلخ. إنّ الإسلام أيضًا مشابه في هذا الصدد. أمّا في المسيحية فقدت هذه التوجيهات برسالة بولس الذي قال: إنّ "نَتَبَرَّرَ أمامَ اللهِ بِالإيمانِ فِي المَسِيحِ وَلَيسَ بِسَبَبِ حِفْظِنا لِلشَّرِيعَةِ٠
إنّ الإنجيليين الذين يفتقرون إلى التوجيهات العملية للوصايا، غالباً ما يوجهون طاقتهم الدينية بالتشديد على الالتزام بتبشير الإنجيل وبإقناع الناس بـتبنِّي المسيحية (أو كما يقولون بإحضار الناس إلى يسوع). بما أن هذا كان وضع الحالة الذي عشتُ فيه أنا أيضًا بشّرت بالإنجيل من باب إلى باب كل أسبوع. شاركت في مجموعات تبشيرية مغنّيًا ومبشِّرًا في الشوارع. حاولتُ إقناع المهاجرين المسلمين وأفراد عائلتي. قضيت عاماً كاملاً في مدرسة "تدريب التلمذة" مما يستلزم أربعة أشهر من الدعوة المسيحية التي تستهدف طلاب المرحلة الثانوية. قمتُ بتدريس الأطفال في مدرسة الأحد وكنت مدرّسًا لدروس الكتاب المقدس للكبار٠
شاركت في مجموعات تبشيرية مغنّيًا ومبشِّرًا في الشوارع
ولكن على الرغم من مشاركتي المكثِّـفة إلا أنني لم أكن راضيًا روحانيًا. أتذكر الدعاء إلى الله: "ما هي إرادتك لحياتي؟ كيف يمكنني خدمتك بالكامل؟" في ذلك الوقت أتذكر أنني أجريت مناقشة مع شخص ما حول اليهودية. كانت أفكاري إذن: بالنسبة لليهود فليكن الأمر سهلاً جدًّا. لديهم التوراة فليست لهم مشكلة في معرفة ما يجب القيام به٠
مع تقدمي في السنّ ازدادت شكوكي حول الحركة الإنجيلية أيضًا. كان هناك وُعّاظ يتلاعبون بمشاعر الناس. كانت المعجزات بشكلٍ واضح غير موجودة أحيانًا أو أمكن شرحها بطريقة أخرى. والأهم من ذلك، لم أر أيّ تحسّن نوعي كبير في المجتمع نتيجة لجلب الناس إلى الحركة الإنجيلي. كانت التغيير الوحيد الذي رأيتُه هو أنّ ناسًا عاديين وغير منقوذين أصبحوا ناسًا عاديين منقوذين ومغنّيين هللويا. وتساءلتُ أيضًا عن صحّة العقيدة القائلة بأن مَن يقبلون المسيحية فهم الوحيدون الذين خلصهم الله، وجميع الآخرين محكوم عليهم بالجحيم، حتى أولئك الذين لم يقبلوا الرسالة المسيحية بِناءًا على الحجج الصادقة. هل يعاقب الله شخصًا إلى الأبد لكونه صادقًا ولتفكيره الناقد قبل أن يعتنق معتقدًا ودينًا؟ وعلاوة على ذلك، تركيز المسيحية على وجه الحصر على الخلاص أم عدم الخلاص أي في الآخرة. ولكن أليس هناك أيضًا أهمّية لهذه الدنيا ولهذه الحياة، أي هنا والآن؟
--- مَن يقبلون المسيحية فهم الذين خلصهم الله فقط، وجميع الآخرين محكوم عليهم بالجحيم ---
أصبحتُ مهتمًا أكثر فأكثر بفكرة العيش بتوجيهات التوراة. في الكتاب المقدّس المسيحي لقد كتب بولس أن لا يحصل المرء على الخلاص عن طريق الوفاء بالشريعة إلّا بالنعمة فقط. لهذا السبب كان العلماء المسيحيون تقليديًّا يعارضون بشدة ممارسة وصايا العهد القديم٠
لكن ماذا لو أراد شخص أن يحافظ على هذه القواعد لا كي "يكسب الجنّة" إلّا بدافع الحب لله؟ بما أنّ التوراة جزء من الكتاب المقدس وبالتالي كلمة الله، كذلك بالنسبة للمسيحيين، أليس من الطبيعي بالنسبة لمن يعيش بالقرب من الله أن يمتثل وصايا التوراة؟
إنّ الحجّة المسيحية بأن الله ألغى قوانين التوراة هي غريبة. في الأساس، ما مدى موثوقية الله إذا ينسخ، يعني يبدّل كلمته التي تشهد على صحّة التوراة الأبدية؟ إذا الله يغيّر تعليماته مرّة واحدة، متناقضُا ذاته، بعد أن أعلن أولاً أنّ وصايا التوراة كانت جزءًا من عهد أبدي فكيف يمكننا التأكد من أنه لن يتغير مرارًا وتكرارًا؟ ما هي إمكانية تحقيق اليقين الديني إذا كان الله تعالى متقلبًا (حرام علينا)؟
بما أنّ التوراة كانت كلمة الله أليس من الطبيعي بالنسبة أن يمتثل وصايا التوراة؟
ومن اللافت للنظر أن يسوع نفسه قد أعلن أن التوراة لن تُلغى. إنّه قال: لا تَظُنُّوا أنِّي جِئْتُ لِكَي أُلغِيَ شَرِيعَةَ مُوسَى أوْ تَعليمَ الأنبِياءِ. لَمْ آتِ لِكَي أُلغِيَها بَلْ لأُكَمِّلَها. فأقولُ الحَقَّ لَكُمْ: إلَى أنْ تَزُولَ السَّماءُ وَالأرْضُ، لَنْ يَزُولَ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ الشَّرِيعَةِ حَتَّى يَتِمَّ كُلُّ شَيْءٍ. لِذَلِكَ مَنْ يَكسِرُ أصغَرَ هَذِهِ الوَصايا وَيُعَلِّمُ النّاسَ أنْ يَفعَلُوا مِثلَهُ، سَيُعتَبَرُ الأصغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ. أمّا مَنْ عَمِلَ الوَصايا وَيُعَلِّمُها، فَسَيُعتَبَرُ الأعظَمَ فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ٠
الإسلام بل المضي قدمًا في هذا المقال أريد أن أصف جانبًا آخر من القرية التي نشأت فيها. سكن في جوارنا العديد من المهاجرين المغاربة. بالنظر إلى أنني لقد نشأت على اتّصال وثيق مع مسلمين، قرّرتُ دراسة اللغة العربية والعلوم الإسلامية عندما التحقتُ بجامعة مدينة ليدن. وجدتُ الإسلام والثقافة الإسلامية مثيرة للإهتمام. وبشكل خاصّ وجدتُ طريقة الإسلامية للصلاة جذابة وجميلة٠
بينما تابعت دراستي للإسلام، اشتدّ كفاحي مع اللاهوت المسيحي. على عكس المسيحية التي تؤمن أن لا يمكن للمرء أن يلجأ إلى الله إلّا من خلال يسوع، فـعلّم الإسلام أنّ كل شخص يمكنه الصلاة مباشرة إلى الله دون الحاجة إلى وسيط. هذا منطقي. إذا كان الله قوّيّـًا قديرًا فـبالتأكيد أن في قوّته أن يغفر التائب دون الحاجة لأي شخص أن يموت من أجل خطايا شخصٍ آخر. وكذلك تركيز الإسلام على التوحيد الخالص كان أكثر منطقي من العقيدة المسيحية في الثالوث. ومن المثير للاهتمام أنّ الإسلام واليهودية متشابهان للغاية في هذه المواضيع٠
أنّ الإسلام واليهودية متشابهان للغاية في موضوع التوحيد
السبب الآخر الذي جعلني مهتم بالمجتمع الإسلامي هو أنه لم يكن يعاني من العلمانة الهيكلية بقدر ما عانى منها العالم المسيحي. إنّ نهج المسيحية (خاصةً البروتستانتية) لبناء مجتمعها على أساس الإيمان المشترك وحده (كما قال بولس: بالإيمان وليس بالأعمال) لا تعمل بشكل جيد. لأنّ كلّ أفراد لديهم دائما آرائهم الخاصة، وبالتالي يؤمنون ويشكّون بطرق فردية. هذا يجعل المجتمع القائم على الإيمان وحده عرضة للاضطراب قمع القدرة العقلية للمؤمنين على التفكير الحر والناقد (الذي، بالطبع، قد جُرب طوال التاريخ). من ناحية أخرى يمكن للمجتمع الذي لا يقوم فقط على الإيمان بل يشارك في الممارسات الدينية المشتركة أن يجمع الناس بشكل أكثر فعالية دون الحد من تفكير الناس الإبداعي٠
رغم أنني شاركتُ في الصلاة الإسلامية عدة مرات وانضممت إلى الطقوس الصوفية بعض الاوقات، لم أفكر بجدية في اعتناق الإسلام لعدة أسباب٠
كسببٍ أوّل، يجب على المسلمين أن يؤمنوا بالتوراة والمزابور والإنجيل التي تعتبر نصوصًا إلهية أنزلها الله قبلًا. ولكن محتويات القرآن تتعارض غالبًا مع هذه النصوص التي يزعم تأكيدها. إنّ التناقضات بين القرآن وهذه الكتب المقدسة الأكثر قديمة تشكل مشكلة واضحة. لأن الكتب المقدسة تتناقض مع بعضها البعض، فإنها لا يمكن أن تكون كلّها صحيحة ومن أصلٍ إلهي. لشرح الاختلافات ومعالجة أيّ مزاعم بحدوث أخطاء في القرآن، يتّهم علماء الإسلام اليهود والمسيحيين بتغيير نصوصهم المقدسة. أيّ تناقض بين الكتاب المقدس والإسلام هو موضح بهذه الطريقة. بهذه الطريقة، يؤمن المسلمون (نظريًا) بكتب اليهودية والمسيحية المقدسة ويرفضونها (في الممارسة العملية) في الوقت نفسه. وفقًا للعلماء المسلمين الأوائل، قام "أهل الكتاب" بتغيير (أو تحريف) كتبهم خلال أيام محمد. على سبيل المثال، أزالوا جميع الآيات التي تنبأت بظهور محمد ورسالته. ومع ذلك، في تاريخ أكثر حداثة، تمّ العثور على كميات كبيرة من المخطوطات القديمة للكتاب المقدس اليهودي التي تعود إلى قرون عديدة قبل عصر محمد. أنها لا تحتوي على أي آيات من هذا القبيل٠
حجة أخرى تقول: يدعي المسلمون أن الله أرسل التوراة إلى بني إسرائيل، لكن رفضوهم لاحقًا بسبب خطاياهم. ثم أعطى الإنجيل للمسيحيين، لكنهم أخطأوا أيضًا فـرُفضوا. أخيرا أنزل الله القرآن. مع ذلك، وفقًا لطريقة التفكير هذه يمكن القول أن الله - الذي غيّر رسالته بالفعل عدة مرات - ربما يغير تعليماته مرة أخرى ، حتى لو أعلن الله، وفقًا للإسلام، أنه لن يتم استبدال هذا الدين أبدًا مرة أخرى. بعين الإعتبار أنّ بالبداية أعلن في التوراة أنّ تعليماته فيها ستكون ثابتة وصالحة إلى الأبد، ومع ذلك فقد استبدل التوراة بشيء آخر. فـلذلك، حتى لو كان الإسلام على حق، فقد لا يظل القرآن كلمة الله الأخيرة٠
يجادل مسلمون بأنّ الله أنز التوراة وبعد ذلك الإنجيل وأخيرا أنزل القرآن
لقد لاحظتُ أيضًا أنّ القرآن يحتوي على أخطاء مثل البيانات حول اليهودية والمسيحية. يتّهم اليهود بالاعتقاد بأن عزرا (عُزَيْر) هو ابن الله (شيء لا يعتقده أيّ يهودي). عندما ينتقد المسيحيون إيمانهم بثلاثة آلهة يعني الله وعيسى ومريم، يُظهر ذلك سوء فهم للتعاليم المسيحية للثالوث: أنّ الله الواحد يكشف عن نفسه كأشخاصًا ثلاثة: الأب والابن والروح القدس. بالطبع، يمكن القول أن القرآن يشير هنا إلى بعض الطوائف اليهودية والمسيحية وليس إلى اليهود والمسيحيين العاديين. ومع ذلك، فإنه لا يوضح القرآن هذا، ونتيجة لهذه التصريحات، تكررت هذه الاتهامات عبر التاريخ الإسلامي ضد اليهود والمسيحيين حتى يومنا هذا٠
سبب آخر شعرت بعدم الارتياح للقرآن هو الطريقة التي يهدد بها غير المؤمنين بعقوبة نار الجحيم، ولا تعد بالجنة إلا للمؤمنين الحقيقيين بطريقة مشابهة للمسيحية التقليدية. على النقيض من هذا، لا توجد تهديدات الجحيم هذه في التوراة أو في الكتاب المقدّس العبرية. أعتقد أن الله أكبر من أي دين واحد. يمكننا أن نجد أشخاصًا صالحين ومستقيمين في كل أمّة، حتى لو كانت معتقداتهم اللاهوتية بعيدة عن الحقّ. والعكس صحيح كذلك. على الرغم من أنني أؤمن بشدة بالله، فهل ينزعج الله تعالى حقًا إذا لم يتخيل شخص ما وجوده؟ هل الإيمان أو غير الإيمان بالله سيؤثر عليه؟ هل خالق الكون ليس لديه تفهم وشفقة؟
إلى جانب ذلك ، فإن التهديدات والوعود ليست من أنقى المنشطات للحياة الدينية المناسبة. إذا كان الله عادلاً ورحيماً، فهل عاقب مخلوقاته إلى الأبد بسبب معتقداتهم الخاطئة أو بسبب الذنوب التي ارتكبوها مؤقتاً فقط خلال حياتهم القصيرة؟ يمكن أن تكون العقوبة مفيدة في بعض الأحيان كوسيلة من وسائل التعليم بحيث يمكن للمرء أن يتعلم من أخطائه. وماذا هو الهدف من عقاب أبدية مؤلمة إذا لم تكن هناك فرصة للتوبة وتحسين الذات؟ هل هذا يصف الله رحمانًا رحيمًا أم قاسيًا تمامًا؟ والله أعلم. على النقيض من ذلك فإنّ التوراة لا تذكر الجحيم على الإطلاق والاعتقادات اليهودية في الآخرة تستند إلى الاجتهاد الحاخامي٠
.في هذه المرحلة أودّ أن أتأكد من أنني لا أرغب في إخضاع الإسلام أو المسيحية أو أيّ دين آخر
،أعلم أن هذه الديانات تعطي المعنى والراحة لحياة الملايين من الناس .ولا أريد أن آخذ ذلك من أيّ شخص - لا سمح الله .أودّ فقط أن أوضح دوافعي الشخصية للخيارات التي اتخذتها في حياتي التوراة إذا قبلت المسيحية والإسلام كلاهما الأصل الإلهي للكتب المقدسة اليهودية فهل لم يكن أقدمها، أي التوراة، في الواقع حجر الأساس لهذه االدينَيْن؟ إذا افترضنا أن الله لا يتعارض مع نفسه، وإذا أعطى التوراة أولاً، فأيّ كتاب أو آية أو رسالة التي قد أنزلها لاحقًا، لا يمكن أن تناقض التوراة أبدًا. علاوة على ذلك ، لأن جميع الكتب اللاحقة - المسيحية والإسلامية - تشير إلى التوراة باعتبارها كلمة الله ، إذا كانت التوراة خاطئة ، فإن هذه الكتب اللاحقة ليست موثوقة أيضًا. بعبارة أخرى، إذا كان أي من هذه الكتب المقدسة إلهياً وصحيحاً فيجب أن يكون الأول. بعد أن توصلت إلى هذا الاستنتاج، قرّرتُ التركيز على أقدم مصدر: التوراة٠
كان هناك مجتمع مع قرون عديدة من الخبرة في الوفاء بكلمات التوراة: الشعب اليهودي
في هذه المرحلة من حياتي لم أقابل حتى يهوديًا واحدًا. توقفتُ عن الذهاب إلى الكنيسة وأعادتُ قراءة الكتاب المقدس وبحثتُ عن طرق لممارسة الوصايا التي قرأتها عدة مرات كمسيحي ولم أمارسها حتى الآن. بدأتُ في الاحتفاظ بيوم الراحة يومَ السبت بدلاً من يوم الأحد. وتوقفتُ عن أكل الأطعمة المحرمة في التوراة. لكنني لم أكن أعرف في كثير من الأحيان كيفية تنفيذ الوصايا في الممارسة العملية. سرعانَ ما أدركت أنّني لستُ بحاجة إلى دراسة الكتب النبوية في الفراغ ولم أضطر إلى إيجاد كل تفسيرات الآيات بمفردي. كان هناك مجتمع مع قرون عديدة من الخبرة في الوفاء بكلمات التوراة: الشعب اليهودي. لذلك، بدأت في قراءة الكتب عن اليهودية. لقد التحقت بدورات اللغة العبرية في الجامعة (خاصّةً العبرية التوراتية وقواعدها) وكذلك دورات في الشريعة والتاريخ اليهودية. بدأت أيضًا في حضور صلوات السبت في كنيس٠
بعد فترة وجيزة من اتصالي بالجالية اليهودية في هولندا، اكتشفت بعض الأشياء. كان المجتمع اليهودي الهولندي صغيرًا جدًا وخاصّة ً الجيل الأكبر سنًا كان لا يزال يعاني من صدمة الحرب العالمية الثانية. قد يكون هذا أحد الأسباب التي جعلت الحاخامات في هولندا مترددين للغاية في السماح لمعتنقي اليهودية دينهم. كان الحكم أنّ مرشح للدخول إلى الجالية اليهودية يجب أن يوافق عليه جميع كبار الحاخامات في البلاد، شيءٌ نادرًا ما حدث. وفي الوقت نفسه، كان هناك الكثير من الناس في هولندا يريدون اعتناق اليهودية دينهم. أنا شخصيًّا كنت أعرف الأشخاص الذين كانوا يدرسون اليهودية أكثر من عشر سنوات ويعيشون حياة دينية ويحافظون على أحكام الأغذية اليهودية وما إلى ذلك، ولكن لا يزالون غير مقبولين في المجامع اليهودي. كان انطباعي هو أنه لكي يتم قبولي ربما لن يكفي لاحتضان التوراة واليهودية ولكن سيكون من الضروري أيضًا إدخال بسلاسة في قالب الأرثوذكسية النمطية. أدركت أنه إذا أردت أن أصبح يهوديًا فسيكون السعر مرتفعًا للغاية وربما كان عليّ للتضحية بشخصيتي الفردية. هل اردتُ ذلك؟
إذا أراد المرء الدخول إلى الشعب اليهودي، فعليه قبول اليهودية ككل. لا يستطيع اختيار ما يحبّه وما لا، على الأقل ليس فيما يتعلق بالتعاليم اليهودية الأساسية. ولكن بعد أن نشأت في التقاليد الكتابية البروتستانتية (التي تُعلِّم "سولا سكريبتورا"؛ الكتاب فقط)، لم أستطع اعتناق فكرة التوراة الشفوية. لم أستطع أن أصدق أنه كان هناك تقليد توراة خارج الكتاب المقدس مع سلطة متساوية مثل النص نفسه. لم أكن على استعداد لقبول هذه القاعدة٠
الحركة النوحيّة على الرغم من أنني لم أر أي إمكانية ليصبح يهوديًا ، جزئيًا بسبب وضع عائلتي ، فقد كنت مصممًا على عبادة الله ومتابعة التوراة. قررت أن أتبع النص الحرفي بأكبر قدر ممكن ، بينما أبحث عن تفسيرات مختلفة لكيفية الوفاء بالوصايا كغير يهودي. كان هذا وضعًا وحيدًا. اعتقد المسيحيون أنني يهودي، وكان اليهود يعتبروني مسيحيًا. هذه العزلة لم تكن روحية فحسب بل كانت اجتماعية أيضًا. لم تكن هذه العزلة روحية فحسب بل كانت اجتماعية بشكل خاص. كيف ممكن لأي شخص أن يحتفل بيوم السبت أو بالأعياد بدون مجتمع؟ كنت آمل وأدعو الله أن ألتقي بأشخاص متشابهين في التفكير. لحسن الحظ قابلتهم: أشخاص من خلفيات مختلفة، من أجزاء مختلفة من هولندا، وحتى من الخارج. قد كان كل واحد منّا يعتقد أنه وحده وجد طريقه إلى التوراة دون أن يكون يهوديًا. أتذكر المرة الأولى التي التقينا فيها - حوالي سبعة أو ثمانية منا - في أمستردام. شعرنا بالسعادة الغامرة للعثور على الآخرين الذين يشاركوننا مأزقنا الديني. كان ذلك الاجتماع هو الميلاد الفعلي لحركة نوحيّة في هولندا. يشير مصطلح "بني نوح" إلى غير اليهود الذين يؤمنون بالتوراة ويحفظون الوصايا العالمية التي تنطبق على جميع نسل نوح (عليه السلام)، أي جميع الإنسانية٠
مجموعتنا كانت تسمى في البداية "تحالف إبراهيم". لقد ترك إبراهيم، عليه السلام، خلفيته ودينه القديم (الوثني) وثقافته ليصبح عبريًا، أي شخص يعبر إلى الجانب الآخر وإلى أرض مجهولة. وبالمثل فقد تركنا خلفياتنا لاتجاه جديد وغير معروف. في وقت لاحق قمنا بتغيير الاسم إلى "تحالف العبريين" وأخيرًا إلى "تحالف النوحيّين". هذا يعني أن أساسنا هو أحكام نوح السبعة الموصوفة في الكتابات الشرعية اليهودية باعتبارها الدليل الأخلاقي الذي قدمه الله إلى العالم غير اليهودي. ونشرتُ مجلّة شهرية باسم "لِخ لِخا"، يعني بالعبرية: ﴿اذهب من أجلك﴾. إنّ ﴿لِخ لِخا﴾ اسم سورة من سور التوراة وكلمات الله الأولى التي قالها تعالى لإبراهيم (عليه السلام) عندما أمره أن يهاجر من عائلته وانطلق في رحلة. قمتُ بتنظيم يوم نوح سنوي مع الاحتفالات في الوقت الذي غادر فيه نوحُ الفلك، ونظمتُ مؤتمرات مع مختلف المتحدثين بما في ذلك الحاخامات والعلماء والفلاسفة وغيرهم٠
ونشرتُ مجلّة شهرية باسم "لِخ لِخا" وقمتُ بتنظيم يوم نوح سنوي
وفقًا لليهودية فإنّ الأحكام النوحية السبعة التي يجب على جميع الناس الالتزام بها، هي: ١) عدم ارتكاب عبادة أيّ آلهة إلا الله، ٢) عدم التجديف، ٣) عدم الفجور الجنسي، ٤) عدم جريمة القتل، ٥) عدم السرقة، ٦) عدم تناول اللحوم المأخوذة من حيوان حي (عدم القسوة على الحيوانات)، ٧) إقامة العدل من خلال المحاكم٠ مهما كانت هذه القواعد جميلة ومهمة، من الصعب بناء هوية ومجتمع على أساس الأحكام النوحية فقط. إنّك تبجل الله ولا تقتل ولا تسرق... عجيب! ولكن هل قواعد السلوك هذه غير عادية لدرجة أن الناس يرغبون في الانضمام إلى هذه الحركة، حتى تتمكن من بناء مجتمع ديني؟ يحتاج المجتمع الديني إلى أكثر من الأحكام الأخلاقية الأساسية. يحتاج إلى وسيلة للعبادة وللاحتفال بأحداث دورة الحياة. يحتاج إلى بنية دينية للحياة اليومية٠
يحتاج مجتمع ديني إلى وسيلة للعبادة وللاحتفال بأحداث دورة الحياة
اتضح أن الناس الذين تعاطفوا مع حركتنا النوحية لم يكونوا متّحدين في أهدافهم وتوقعاتهم. أراد بعض أعضاء مجموعتنا تطوير تقاليدهم وعاداتهم بناءًا على وصايا التوراة ولكن كطريق بديل لليهودية التقليدية. والآخرون أرادوا اعتناق اليهودية دينهم واستخدموا المجتمع النوحي إعدادًا للإعتناق. وكان البعض الآخر سعيدًا جدًا بالحفاظ على أحكام نوح السبعة فقط والاستمتاع بقطع من الثقافة اليهودية٠
لقد قمت بتصميم هيكل تنظيمي يسمح للجميع بتطوير هويتهم. قبل كل عضو من أعضاء مجموعتنا التوحيد كما هو محدد في اليهودية (وهو مطابق للإسلام) وأحكام نوح السبعة. لكن كانت لدينا أيضًا مجموعات فرعية - تسمى خيام - لكل منها أهدافها وأنشطتها الخاصة بها. تخيلنا أن إبراهيم، عليه السلام، سافر كذلك مع مجموعة متنوعة من الناس الذين تجمعوا لتشكيل مخيم واحد. عينت كل مجموعة فرعية ممثلاً في "مجلس الخيام". وكان لدينا أيضًا مجلس استشاري مؤلف من يهود مخلصين لليهودية الحاخامية التقليدية والذين دعموا جهودنا٠
العبريّون كنتُ جزءًا من المجموعة التي أرادت تطوير تقاليدنا وطقوسنا وأدعيتنا. من أجل القيام بذلك، لم أدرس التوراة فقط ضمن التقاليد الحاخامية ولكن أيضًا وفقًا لمجموعات أخرى مثل القرّائين والسامريين. درست نصوصهم وزرت مجتمعاتهم. قضيتُ عدة سبوت مع السامريين على جبل جرزيم وشهدتُ جلب تضحيات الفصح. سجدتُ في جامعهم وصلّيت في كنيس القرائين٠
كنتُ جزءًا من المجموعة التي أرادت تطوير تقاليدنا وطقوسنا ودعواتنا
بالتشاور مع الآخرين، عملت على تطوير طرق جديدة لتطبيق التوراة على مجتمعنا الصغير. اعتقدت أن التفسير الحاخامي للتوراة كان أحد الطرق الممكنة لتأويل الوصايا ولممارستها. ولكن كانت هناك إمكانيات أخرى لتحقيق المعنى الحرفي للنص، وهي طرق يمكن أن يتبعها أشخاص من مجتمعات أخرى. قمتُ بتأليف "بِركة همّٰزون" (حمدلة بعد الوجات)، وصلوات وأدعية لأيام الأسبوع والسبت والأعياد، ووضعتُ العديد من التقاليد المختلفة عن اليهودية التقليدية. على سبيل المثال ، لم نشعل النار يوم السبت لكننا سمحنا بنقلها أو إيقافها. احتفلنا بعيد الفصح بعصا في أيدينا وأكلنا لحم الغنم المشوي. احتفلنا دائمًا بعيد الأسابيع (عيد الخمسين) في يوم الأحد مثل القرّائين. كتبتُ كتابَ صلواتٍ وأدعيةٍ صغيرَ، مستوحى بالكامل من العبادة في الميشكان (مسكن بني إسرائيل القديم). حتى كان لدينا مسجد في إحدى غرف منزلي تم تصميمه مثل المِشكـان: كانت هناك ستائر على كل الجوانب معلقة على حلقات، مدعومة بقضبان نحاسية. كان لدينا هيكل مربع يشبه خيمة مقابل المدخل حيث أحرقنا البخور، وشمعدان ذات السبعة فروع كانت مضاءة في أوقات معينة. بالنسبة للـ"مِزوزاة"، أي وفاء الوصية ﴿وَٱكْـتُبْهَا عَلى قَوَائِمِ أَبْوَابِ بَيْتِكَ﴾ فكانت لدينا بطاقة مرفقة بإطارات أبواب منازلنا مع أوّل آيتـَـيْن الـ"شماع" مكتوبةً بحروفٍ عبريّةٍ قديمةٍ. إنّ آيات الـ"شماع" هي آيات الإخلاص والتوحيد من التوراة٠
كانت لدينا بطاقة مرفقة بعضائد أبواب منازلنا مع أوّل آيتـَـيْن الـشماع
ومع ذلك، على الرغم من كل الجهود، سارت الأمور بشكل خاطئ. إذا كان المرء يعتمد فقط على التوراة المكتوبة فهناك العديد من الطرق الممكنة لتفسير النص. دون نوع من مصدر موثوق ومقبول للتفسير، كانت جميع طقوسنا وتفسيراتنا عرضة للتغيير المستمر نتيجة لأفكار أو رؤى جديدة. بسبب عدم الاستقرار، لم يستطعْ مجتمعنا التمسك بأعراف مشتركة ودائمة. أصر بعض الأعضاء على تقويم لا علاقة له بالقمر، بينما فضل آخرون التقويم اليهودي القياسي. بدأ البعض في الإحفاظ على السبت فقط خلال النهار لأنه يطلق عليه يوم السبت، واحتفلوا يوم الغفران بدون صيام. من الصعب تحديد هذه الأشياء بناءً على نص التوراة المكتوبة فقط. جادل البعض بأن الله قد رفض اليهود التقليديين لأنهم اتبعوا الحاخامات بدلاً من الله. باختصار، تركت المجموعة التي بنيتها٠
اليهودية على مرّ السنين واصلتُ دراسة اليهودية التقليدية وقد قمتُ بمحاضرات حول اليهودية. كنت أيضًا رئيسًا لمنظمة لإعادة بناء كنيس قديم في منطقة منزلي (في قرية سليدريخت).نتيجة لذلك ، ازدادت ارتباطي مع اليهودية الحاخامية تدريجياً٠
أخيرًا بدأت أفهم طبيعة التوراة الشفهية ودورها. أولاً، لقد رأيت بوضوح من خلال تجربتي الخاصة أنه بدون التوراة الشفوية يتفكك مجتمع توراتي ببساطة. على سبيل المثال، إذا كان الأشخاص يتبعون تقويمات مختلفة فسيحتفلوا بالأعياد في أيام مختلفة. حتى إذا اختاروا تقويمًا واحدًا ، فقد يظلون يفضلون الصلاة بطرق مختلفة في أوقات مختلفة. قد يقرأون نصوصًا وأدعية مختلفة، يتبعون قواعد مختلفة ويصرون على طقوس مختلفة. بمعنى آخر ، يوفر النص المكتوب العديد من الاحتمالات للتفسير بحيث ينهار المجتمع إذا لم يكن هناك تقاليد مشتركة ومقبولة حول العناصر الأساسية في الدين٠
ثانياً، لقد أدركت أن التقليد التلمودي ليس في الواقع خارج الكتاب المقدس بل هو متجذر في السلطة الممنوحة للحاخامات من خلال التوراة نفسها. مكتوب في التوراة أن موسى قد أُوعِز بتعيين مجلس من سبعين شيوخًا (يُطلق عليهم لاحقًا اسم السنهدرين) والذي كان يتخذ قرارات ملزمة. سلطة حاخامات التلمود، الذين كانوا خلفاء هؤلاء الشيوخ الأوائل، هي بالتالي جزء من التوراة المكتوبة نفسها٠
ثالثًا، أدركت أنه من المستحيل تطبيق التوراة خارج الشعب اليهودي. فإنّ روث (عليها السلام) التي تخلت عن أصنام شعبها واعتنقت التوحيد والتي أنجبت عُبَيْد جدّ الملك داود (عليه السلام) قالت أولاً: "شعبك شعبي" وبعد ذلك قالت: "إلهك إلهي". لا يمكننا إلا أن نعبد ربّ إسرائيل بالكامل من خلال كوننا جزءًا من شعب إسرائيل٠
كنتُ أشغل منصب رئيس منظمة لإعادة بناء كنيس قديم
يولد معظم اليهود في يهوديًا. وبعض الناس يشتركون في نفس المصير ولكن عليهم المرور بطرق معقدة ومسارات طويلة وملتفّة. من المعتقد أن الشخص الذي اعتنق الديانة اليهودية وُلد بروح يهودية لا يهدأ حتى يجد طريقه إلى اليهودية. لا أدري إذا كان هذا صحيحًا بالمعنى الحرفي ، لكنني أعتقد أن الله قد قادني عبر مسارات غير عادية٠
للوفاء بقراري بالدخول إلى اليهودية كنت بحاجة إلى السفر إلى نيويورك. أنشأ الحاخامات في هولندا حواجز كان من المستحيل التغلب عليها. التقيتُ أولاً بحاخام أرثوذكسي كان هدفه على ما يبدو إثبات أنني لم أكن مرشحًا صالحًا للإعتناق اليهودية ديني. سألني العديد من الأسئلة، الكثير منها مفصل للغاية، حتى وجد أشياء لم أكن أعرفها على الرغم من سنوات دراستي الكثيرة٠
بالطبع، لم أدع أبدًا معرفة كل التوراة والتلمود، فقط أنني درست الكثير وكنت على استعداد لمواصلة التعلم والحفاظ على الوصايا. كانت المقابلة محبطة جدًا لأنني لم أكن أعرف ما إذا كنت سأعثر على حاخام أكثر استعدادًا لمساعدتي. لم أكن أعرف ما إذا كان سيتم إغلاق المسار إلى اعتناق اليهودية نهائيًا بالنسبة لي ، وما إذا كنت سأجد يومًا بابًا مفتوحًا٠
أوصى الأصدقاء بمقابلة حاخام أرثوذكسي آخر وقد فعلت ذلك. كان هذا الحاخام أكثر تقبلاً وكان يقدر جدًا الكفاح الروحي الطويل والدراسة التي سبقت قراري في اعتناقي اليهودية ديني. باختصار قصة أطول من ذلك بكثير، بعد أن كان مقتنعًا أنني كنت بالفعل مرشحًا صادقًا لدخول الأمّة اليهودية، وقبلتُ "نير وصايا التوراة"، عقد "بيت دين" (محكمة دينية) للإشراف على الجوانب الفنية لدخولي اليهودية. أخيرًا، أصبحت عضوًا في الشعب اليهودي٠
سورة "لِخ لِخا" وهو نفس الاسم الذي اخترتُه ذات مرة للمجلّة التي كنتُ أنشرها
في أوّل يوم سبت بعد دخولي في الجالية اليهودية، تشرفتُ بقراءة سورة من التوراة في الكنيس. كانت سورة ذلك الأسبوع سورة "لِخ لِخا" وهو الاسم نفسه الذي اخترتُه ذات مرة للمجلّة التي كنت أنشرها. كانت السورة تروي رحلة إبراهيم (عليه السلام) مع الله وهي نفس القصة التي ألهمتني لبدء رحلتي الخاصة. عندما قرأت التوراة إلى الجماعة، شعرتُ أنني قد اتبعت خطى إبراهيم أبينا الذي ألهم مؤمنًا آخر للعثور على وجهته الحقيقية٠
|
|